القرآن الكريم » تفسير ابن كثر » سورة النحل
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) (النحل) 
يُخْبِر تَعَالَى أَنَّهُ يَأْمُر عِبَاده بِالْعَدْلِ وَهُوَ الْقِسْط وَالْمُوَازَنَة وَيَنْدُب إِلَى الْإِحْسَان كَقَوْلِهِ تَعَالَى " وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْر لِلصَّابِرِينَ " وَقَوْله " وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مِثْلهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْره عَلَى اللَّه " وَقَالَ " وَالْجُرُوح قِصَاص فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ " إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْآيَات الدَّالَّة عَلَى شَرْعِيَّة الْعَدْل وَالنَّدْب إِلَى الْفَضْل . وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس : " إِنَّ اللَّه يَأْمُر بِالْعَدْلِ " قَالَ شَهَادَة أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَقَالَ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة الْعَدْل فِي هَذَا الْمَوْضِع هُوَ اِسْتِوَاء السَّرِيرَة وَالْعَلَانِيَة مِنْ كُلّ عَامِل لِلَّهِ عَمَلًا وَالْإِحْسَان أَنْ تَكُون سَرِيرَته أَحْسَن مِنْ عَلَانِيَته وَالْفَحْشَاء وَالْمُنْكَر أَنْ تَكُون عَلَانِيَته أَحْسَن مِنْ سَرِيرَته , وَقَوْله " وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى " أَيْ يَأْمُر بِصِلَةِ الْأَرْحَام كَمَا قَالَ " وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقّه وَالْمِسْكِين وَابْن السَّبِيل وَلَا تُبَذِّر تَبْذِيرًا " وَقَوْله " وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَر " فَالْفَوَاحِش الْمُحَرَّمَات وَالْمُنْكَرَات مَا ظَهَرَ مِنْهَا مِنْ فَاعِلهَا وَلِهَذَا قِيلَ فِي الْمَوْضِع الْآخَر " قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ " وَأَمَّا الْبَغْي فَهُوَ الْعُدْوَان عَلَى النَّاس وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيث " مَا مِنْ ذَنْب أَجْدَر أَنْ يُعَجِّل اللَّه عُقُوبَته فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِر لِصَاحِبِهِ فِي الْآخِرَة مِنْ الْبَغْي وَقَطِيعَة الرَّحِم " وَقَوْله " يَعِظكُمْ " أَيْ يَأْمُركُمْ بِمَا يَأْمُركُمْ بِهِ مِنْ الْخَيْر وَيَنْهَاكُمْ عَمَّا يَنْهَاكُمْ عَنْهُ مِنْ الشَّرّ " لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ " وَقَالَ الشَّعْبِيّ عَنْ بَشِير بْن نَهِيك سَمِعْت اِبْن مَسْعُود يَقُول : إِنَّ أَجْمَع آيَة فِي الْقُرْآن فِي سُورَة النَّحْل " إِنَّ اللَّه يَأْمُركُمْ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان " الْآيَة رَوَاهُ اِبْن جَرِير وَقَالَ سَعِيد عَنْ قَتَادَة قَوْله " إِنَّ اللَّه يَأْمُر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان " الْآيَة لَيْسَ مِنْ خُلُق حَسَن كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَعْمَلُونَ بِهِ وَيَسْتَحْسِنُونَهُ إِلَّا أَمَرَ اللَّه بِهِ وَلَيْسَ مِنْ خُلُق سَيِّئ كَانُوا يَتَعَايَرُونَهُ بَيْنهمْ إِلَّا نَهَى اللَّه عَنْهُ وَقَدَّمَ فِيهِ وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ سَفَاسِف الْأَخْلَاق وَمَذَامّهَا [ قُلْت ] وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيث " إِنَّ اللَّه يُحِبّ مَعَالِي الْأَخْلَاق وَيَكْرَه سَفْسَافهَا " . وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو يَعْلَى فِي كِتَاب مَعْرِفَة الصَّحَابَة حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن الْفَتْح الْحَنْبَلِيّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن مُحَمَّد مَوْلَى بَنِي هَاشِم حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن دَاوُد الْمُنْكَدِرِيّ حَدَّثَنَا عُمَر بْن عَلِيّ الْمُقَدِّمِيّ عَنْ عَلِيّ بْن عَبْد الْمَلِك بْن عُمَيْر عَنْ أَبِيهِ قَالَ : بَلَغَ أَكْثَم بْن صَيْفِيّ مَخْرَج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرَادَ أَنْ يَأْتِيه فَأَبَى قَوْمه أَنْ يَدَعُوهُ وَقَالُوا : أَنْتَ كَبِيرنَا لَمْ تَكُنْ لِتَخِفّ إِلَيْهِ قَالَ فَلْيَأْتِهِ مَنْ يُبَلِّغهُ عَنِّي وَيُبَلِّغنِي عَنْهُ فَانْتُدِبَ رَجُلَانِ فَأَتَيَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَا نَحْنُ رُسُل أَكْثَم بْن صَيْفِيّ وَهُوَ يَسْأَلك مَنْ أَنْتَ وَمَا أَنْتَ ؟ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَمَّا مَنْ أَنَا فَأَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه وَأَمَّا مَا أَنَا فَأَنَا عَبْد اللَّه وَرَسُوله " . قَالَ ثُمَّ تَلَا عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْآيَة " إِنَّ اللَّه يَأْمُر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان " الْآيَة . قَالُوا رَدِّدْ عَلَيْنَا هَذَا الْقَوْل فَرَدَّدَهُ عَلَيْهِمْ حَتَّى حَفِظُوهُ فَأَتَيَا أَكْثَم فَقَالَا أَبَى أَنْ يَرْفَع نَسَبه فَسَأَلْنَا عَنْ نَسَبه فَوَجَدْنَاهُ زَاكِي النَّسَب وَسَطًا فِي مُضَر - أَيْ شَرِيفًا - وَقَدْ رَمَى إِلَيْنَا بِكَلِمَاتٍ قَدْ سَمِعْنَاهَا فَلَمَّا سَمِعَهُنَّ أَكْثَم قَالَ : إِنِّي أَرَاهُ يَأْمُر بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاق وَيَنْهَى عَنْ مَلَائِمِهَا فَكُونُوا فِي هَذَا الْأَمْر رُءُوسًا وَلَا تَكُونُوا فِيهِ أَذْنَابًا وَقَدْ وَرَدَ فِي نُزُولهَا حَدِيث حَسَن رَوَاهُ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْر حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد حَدَّثَنَا شَهْر حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس قَالَ بَيْنَمَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفِنَاءِ بَيْته جَالِس إِذْ مَرَّ بِهِ عُثْمَان بْن مَظْعُون فَكَشَرَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَلَا تَجْلِس ؟ " فَقَالَ بَلَى قَالَ فَجَلَسَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَقْبِله فَبَيْنَمَا هُوَ يُحَدِّثهُ إِذْ شَخَصَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاء فَنَظَرَ سَاعَة إِلَى السَّمَاء فَأَخَذَ يَضَع بَصَره حَتَّى وَضَعَهُ عَلَى يَمِينه فِي الْأَرْض فَتَحَرَّفَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ جَلِيسه عُثْمَان إِلَى حَيْثُ وَضَعَ بَصَره فَأَخَذَ يُنْغِض رَأْسه كَأَنَّهُ يَسْتَفْقِهُ مَا يُقَال لَهُ وَابْن مَظْعُون يَنْظُر فَلَمَّا قَضَى حَاجَته وَاسْتَفْقَهَ مَا يُقَال لَهُ شَخَصَ بَصَر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى السَّمَاء كَمَا شَخَصَ أَوَّل مَرَّة فَأَتْبَعَهُ بَصَره حَتَّى تَوَارَى إِلَى السَّمَاء فَأَقْبَلَ إِلَى عُثْمَان بِجِلْسَتِهِ الْأُولَى فَقَالَ : يَا مُحَمَّد فِيمَا كُنْت أُجَالِسك مَا رَأَيْتُك تَفْعَل كَفِعْلِك الْغَدَاة فَقَالَ " وَمَا رَأَيْتنِي فَعَلْت ؟ " قَالَ رَأَيْت شَخَصَ بَصَرك إِلَى السَّمَاء ثُمَّ وَضَعْته حَيْثُ وَضَعْته عَلَى يَمِينك فَتَحَرَّفْت إِلَيْهِ وَتَرَكْتنِي فَأَخَذْت تُنْغِض رَأْسك كَأَنَّك تَسْتَفْقِهُ شَيْئًا يُقَال لَك . قَالَ " وَفَطِنْت لِذَلِكَ ؟ " فَقَالَ عُثْمَان نَعَمْ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَتَانِي رَسُول اللَّه آنِفًا وَأَنْتَ جَالِس " قَالَ رَسُول اللَّه ؟ قَالَ " نَعَمْ " قَالَ فَمَا قَالَ لَك ؟ قَالَ " إِنَّ اللَّه يَأْمُر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان " الْآيَة . قَالَ عُثْمَان فَذَلِكَ حِين اِسْتَقَرَّ الْإِيمَان فِي قَلْبِي وَأَحْبَبْت مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِسْنَاد جَيِّد مُتَّصِل حَسَن قَدْ بُيِّنَ فِي السَّمَاع الْمُتَّصِل وَرَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم مِنْ حَدِيث عَبْد الْحَمِيد بْن بَهْرَام مُخْتَصَرًا حَدِيث آخَر عَنْ عُثْمَان بْن أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيّ فِي ذَلِكَ قَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا أَسْوَد بْن عَامِر حَدَّثَنَا هُرَيْم عَنْ لَيْث عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب عَنْ عُثْمَان بْن أَبِي الْعَاصِ قَالَ : كُنْت عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا إِذْ شَخَصَ بَصَره فَقَالَ " أَتَانِي جِبْرِيل فَأَمَرَنِي أَنْ أَضَع هَذِهِ الْآيَة بِهَذَا الْمَوْضِع مِنْ هَذِهِ السُّورَة " إِنَّ اللَّه يَأْمُر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان " الْآيَة . وَهَذَا إِسْنَاد لَا بَأْس بِهِ وَلَعَلَّهُ عِنْد شَهْر بْن حَوْشَب مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَاَللَّه أَعْلَم .
كتب عشوائيه
- الاختلاف في العمل الإسلامي: الأسباب والآثارالاختلاف في العمل الإسلامي: لا يخفى على كل مسلم بصيرٍ ما تعيشه أمة الإسلام من شتات وفُرقة، واختلافات أوجَبَت عداوةً وشِقاق؛ إذ تجاذَبَت أهلها الأهواء، وتشعَّبَت بهم البدع، وتفرَّقَت بهم السُّبُل. وإذا كان المسلمون اليوم يلتمسون الخروج من هذا المأزق فلا سبيل إلا بالاعتصام بحبل الله المتين وصراطه المستقيم، مُجتمعين غير مُتفرِّقين، مُتعاضدين غير مُختلفين. وحول هذا الموضوع من خلال الدعوة إلى الله والعمل للإسلام يدور موضوع الكتاب.
المؤلف : ناصر بن سليمان العمر
الناشر : موقع المسلم http://www.almoslim.net
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/337309
- إلى التصوف ياعباد اللهإلى التصوف ياعباد الله: إن التصوف إما أن يكون هو الإسلام أو يكون غيره، فإن كان غيره فلا حاجة لنا به، وإن كان هو الإسلام فحسبنا الإسلام فإنه الذي تعبدنا الله به.
المؤلف : أبو بكر جابر الجزائري
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/2603
- مناظرة ابن تيمية لطائفة الرفاعيةمناظرة ابن تيمية لطائفة الرفاعية: فهذه رسالة من رسائل الشيخ أحمد ابن تيمية - رحمه الله - تُسطِّر له موقفًا بطوليًّا وتحديًا جريئًا لطائفةٍ من الصوفية في عهده عُرِفوا بـ «الأحمدية»، وهو موقف من مواقف كثيرة وقفَها بوجه تيارات البدع والأهواء التي استفحَلَ أمرها في عصره.
المؤلف : أحمد بن عبد الحليم بن تيمية
المدقق/المراجع : عبد الرحمن دمشقية
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/273071
- تطهير الاعتقاد من أدران الإلحادتطهير الاعتقاد من أدران الإلحاد: مؤَلَّفٌ فيه بيان ما يجب علمه من أصول قواعد الدين، وبيان لما يجب اجتنابه من اتخاذ الأنداد، والتحذير من الاعتقاد في القبور والأحياء.
المؤلف : محمد بن الأمير الصنعاني
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/1909
- شرح العقيدة الطحاوية [ خالد المصلح ]العقيدة الطحاوية : متن مختصر صنفه العالم المحدِّث: أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الطحاوي، المتوفى سنة 321هـ، وهي عقيدةٌ موافقة في جُلِّ مباحثها لما يعتقده أهل الحديث والأثر، أهل السنة والجماعة، وقد ذَكَرَ عددٌ من أهل العلم أنَّ أتْبَاعَ أئمة المذاهب الأربعة ارتضوها؛ وذلك لأنها اشتملت على أصول الاعتقاد المُتَّفَقِ عليه بين أهل العلم، وذلك في الإجمال لأنَّ ثَمَّ مواضع اُنتُقِدَت عليه، وفي هذه الصفحة شرح ألقاه الشيخ خالد المصلح - أثابه الله -.
المؤلف : خالد بن عبد الله المصلح
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/322222












